نظّم مركز البحوث والدراسات الإستراتيجيّة في الجيش اللبناني وجمعيّة Rethinking Lebanonبالتعاون مع جامعة الروح القدس – الكسليك، مؤتمرًا بعنوان "الجرائم الماليّة والاقتصاد النقدي"، عُقد في حرم الجامعة.


شارك فيه عدد من الخبراء والاختصاصيين في الاقتصاد والتكنولوجيا الماليّة ومجال مكافحة الجرائم الماليّة. كما حضره عدد كبير من ضبّاط الجيش وعناصره وطلّاب من جامعات مختلفة.

من جهته، اعتبر عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة AUT البروفيسور بيار خوري أن "هذا المؤتمر ضروري في توقيته لأن لبنان غرق فيما يعرف بالاقتصاد الموازي وهو من أخطر ما يتعرض له البلد، فقد تفككت هياكل الاقتصاد والمال وأن ليس هناك محاولة جدية لإنقاذه". وقال في حديث خاص لـ "Transparency News" أن هذا المؤتمر برعاية الجيش اللبناني الذي يترتب عليه مسؤولية وطنية، وهدفه التوعية ورفع الصوت عاليا، إذ لا أحد يستطيع أن يحل مكان السلطة السياسية التي تلعب الدور الأهم، فهي التي تقرر إخراج البلد من هذا المأزق بأي ثمن، وإلا سنغرق أكثر في هذا المستنقع"

وفي السياق نفسه، قال الدكتور سامر العبدالله لـ " Transparency Newلقد أثبت النظام السياسي القائم فشله في إدارة البلاد، مؤكدًا حاجة لبنان اليوم لعقد جديد، بالإضافة إلى إمكانية استفادة لبنان من تجارب العديد من الدول شرط أن تكون المحاسبة أولوية، وذلك لاستعادة الثقة وإعادة المستثمرين إلى لبنان".

إلى ذلك، شدّد رئيس " Rethinking Lebanon"  الدكتور جهاد الحكيّم، في كلمة ألقاها خلال المؤتمر على "أهمّيّة تضافر جهود الجيش والشباب اللبناني في البحث عن سبل الخروج من الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي يعانيها لبنان، والحدّ من مخاطر الاقتصاد النقدي وانعكاساته السلبيّة"، معتبراً "أنّهم بتكاتفهم سيقودون لبنان إلى مستقبل أفضل". أما عميدة كليّة إدارة الأعمال في الجامعة الدكتورة دانيال خليفة فريحة فأكدت، بدورها، على "أهمّيّة معالجة العوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تغذّي الاقتصاد النقدي وتدفع الأفراد نحو الجرائم". وألقى نائب رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك للشؤون الإدارية الأب إدوار قزي كلمة رئيس الجامعة الأب طلال هاشم، مؤكّدًا أنّ "هذا المؤتمر يبعث رسالة واضحة عن التزامنا بتمكين الشباب ليصبحوا جهات فاعلة ومسؤولة في النظام المالي العالمي، ما يعزّز سمعتنا كمؤسسة طليعة في المسؤوليّة الاجتماعيّة". ثم ألقى مدير مركز البحوث والدراسات الإستراتيجيّة العميد الركن منصور زغيب، ممثّلًا قائد الجيش العماد جوزاف عون، كلمة لفت فيها إلى "أننا نمرّ  بأوقات استثنائيّة تؤثر في مجتمعنا واقتصادنا ونظامنا المصرفي وطريقة عيشنا"، منبّهًا إلى أنّ "الوضع المالي يشهد تغيرًا سريعًا، ما يتسبّب بمخاطر وتحديات جديدة قد تؤدي إلى نتائج وخيمة مثل ازدياد الفقر وعدم الاستقرار وانتشار الفساد وتغذية الجرائم المنظّمة وتمويل الإرهاب وتسهيل غسل الأموال والتهرّب الضريبي. واعتبر أنّ هذا المؤتمر، الذي عرض حقيقة الوضع المالي، يشكّل صرخة يقظة إلى الجميع ويسلّط الضوء على التدابير اللّازمة لمعالجة هذه القضية بجهود جماعية ومن خلال مقاربة منطقيّة وحلول مبتكرة".

بعد ذلك، عُقدت جلسات حواريّة تناول المشاركون فيها المواضيع التالية: الاقتصاد النقدي والفقر، التكنولوجيا الماليّة والتحوّل الرقمي في الاقتصاد النقدي، والجرائم الماليّة في الاقتصاد النقدي. وشرحت المستشارة الدولية في التنمية البشرية والخبيرة السابقة في البنك الدولي في واشنطن حنين السيّد سبل مكافحة الفقر في لبنان، والسياسات التي يجب اعتمادها من أجل تقليص التداعيات السلبيّة للاقتصاد النقدي من خلال إعادة بناء الدولة وتفعيل النظام القضائي والخدمات العامة وصولاً إلى استعادة الثقة بالدولة.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي فاعتبر، أنّه "لا يمكن الطلب إلى مشاركين في الانهيار المالي العمل على إخراج لبنان من هذه الأزمة، وبالتالي إنّ هذه المسألة لا تحّل إلّا من قبل محايدين وأكفاء غير متورطين  في هذه الجريمة المالية الكبرى".

ورأى أنّ "التعافي المالي والاقتصادي يبدأ بإعادة هيكلة المصارف وحماية الودائع وتنظيم السحوبات وحركة الرساميل".

من جهة ثانية قدّم أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت البروفيسور وليد مرّوش بعض التوصيات في هذا الشأن، أبرزها: إعادة هيكلة القطاع المصرفي من خلال منح تراخيص جديدة وفرص للدمج للمصارف اللبنانية، مراجعة وتوحيد ضوابط رأس المال الحالية، إنشاء اتحادات ائتمانية ما قد يساعد في خفض تكاليف الخدمات المالية وتحسين جودتها العامة للمواطنين.

أما الدكتور سامر عبد الله، شريك ورئيس قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في "كي بي إم جي"، فسلّط الضوء على أهمّيّة "الفينتك" في تمكين الأعمال الصغيرة وتحسين كفاءة المعاملات. وقدّم مجموعة من التوصيات

الاستراتيجيّة للتغلّب على العوائق التي تعترضها، منها: تعزيز الشمول المالي، تحديث الأطر التنظيمية، تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، الاستثمار في البنية التحتية ومعرفة التكنولوجيا الرقميّة، استخدام تكنولوجيا "البلوكتشين" للشفافية والثقة، ومواءمة مبادرات "الفينتك" مع أهداف التنمية المستدامة .كذلك، أشار المدير التنفيذي في شركة OMT ناجي أبو زيد إلى أنّ "شركات تحويل الأموال لا يمكن أن تحلّ مكان المصارف، إذ إنّ إطار عملها مختلف من الناحية القانونيّة والعمليّة. واليوم، تعمل هذه الشركات على سدّ الثغرة التي أحدثتها الأزمة". وأكّد أنّ "التعامل بالنقد (Cash) لا يعني الفوضى، إذ تخضع OMT للقوانين المحلّيّة والدوليّة، لاسيّما قوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

من جهته تحدّث المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "إينوفس" إيلي حجّار  عن استخدام الذكاء الاصطناعي لمواجهة الجرائم المالية، مركّزاً على التحدّيات التي تطرحها تقنيّة Deepfake. وأكّد "التزام الشركة بابتكار حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لزيادة الأمان وتوسيع الوصول في قطاع التقنية المالية"، لافتاً إلى "أهمّيّة بناء نظام مالي أكثر أماناً وسهولة في الوصول إلى الجميع".

كما تحدّث عميد كلّية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة الدكتور وسيم شاهين عن التجارب الدوليّة في محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وعن التجربة اللبنانية من العام ٢٠٠٠ حتى بدء الأزمة. وقدّم توصيات لمحاربة تبييض الأموال في اقتصاد العملات، بينها: إعادة تأهيل القطاع المصرفي، تطبيق قانون التحويلات النقدية عبر الحدود، تفعيل دورلجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة والعمل على قانون الـ"كابيتال كونترول".

أما المدير التقني في شركة Potech إيلي زيدان فقد تطرق في كلمته إلى مخاطر الغش والاحتيال في المنصات الرقميّة وعالم التكنولوجيا الماليّة وتقنيّات غسل الأموال الرقميّة التي يواجهها يوميّاً. كما شرح العلاقة بين الاقتصاد النقدي والعملات المشفّرة.

واختُتم المؤتمر بكلمة الرائد في الجيش اللبناني محمد حيدر الذي تناول ملف تبييض الأموال من الناحية القانونيّة، فشرح مفهوم هذه الجريمة