نشرت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون عبر حسابها على منصة "إكس" مقالا نشرته "المفكرة القانونية" تحت عنوان "غادة عون تمثل أمام الهيئة العليا للتأديب: 3 أسباب لمحاكمة غير عادلة".


 وجاء فيه: "تمثل القاضية غادة عون في تاريخ 22 آذار 2024 أمام الهيئة العليا للتأديب، وذلك في إطار النظر في الطعن الذي قدّمته ضدّ القرار التأديبيّ الصّادر بحقّها في تاريخ 4 ايار 2023. في هذا الإطار، نُعيد نشر التّعليق الذي سبق نشره بشأن الحكم التأديبيّ الذي تمكّنت المفكرة القانونية من الاطّلاع عليه، تحت عنوان: "في ملحمة إسقاط قاضية مناضلة".

وبمعزل عن التفاصيل الواردة في الحكم التأديبي والتي عمدنا إلى تحليلها، فإننا أعتبرنا أن الحكم بما تضمنه من عقوبة قاسية بحق "قاضية تجرأت" إنما يشكل في ظلّ أوضاع العدلية والقضاء، رسالة تخويف إلى أيّ قاضٍ قد يتجرّأ على أصحاب النفوذ أو نظام اللامحاسبة بأن من شأن ذلك أن يستتبع آثارا سلبية على مساره المهني قد تصل إلى حدّ الصرف. وليس أدلّ على ذلك من أن المآخذ التأديبية على القاضية عون والتي ضجّ بها الإعلام تتّصل بالدرجة الأولى في تمسّكها في الدفاع عن صلاحياتها ووظيفتها في مواجهة محاولات عرقلتها أو تعطيلها. ومن هذه الزاوية، أتى الحكم التأديبي بحقّ عون بمثابة اقتحام جديد من قبل حيتان النظام الحاكم للمجال القضائيّ ومؤشر جديد على تصميمها على  بسط هيمنة شبه كاملة على القضاء إلى درجة تعطيله. 
 
كما تجدر الإشارة إلى أن المحاكمة التي ستجري غدا ستتمّ خلافا لمبادئ المحاكمة العادلة واستقلالية القضاء من زوايا ثلاث.
 
فهي من جهة أولى تتم أمام هيئة عليا يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي كان هو نفسه عيّن أعضاء المجلس التأديبي الابتدائي الذي أصدر الحكم بحقها. هذا فضلا عن كون مجلس القضاء الأعلى هو الذي عيّن سائر أعضاء الهيئة العليا. وكان المجلس الدستوري اللبناني اعتبر في قراره الصادر في 27/06/2000 أنّ تجريد القاضي من إمكانية الطعن في القرارات التأديبية أمام مجلس شورى الدولة مقابل منحه إمكانية الطعن أمام الهيئة العليا المنبثقة كما المجلس التأديبي الابتدائي عن مجلس القضاء الأعلى إنما يعني تجريده عمليا من إحدى ضمانات استقلاليته وهي ضمانة المحاكمة على درجتين. وهذا ما عادت وأكدت عليه  لجنة البندقية في رأيها الصادر أول أمس في 19 آذار 2024 في سياق النظر في الإجراءات التأديبية المقترحة لملاحقة القضاة الإداريين. وما يزيد من عوامل القلق هنا أن رئيس مجلس القضاء الذي سيتولى رئاسة الهيئة كان وجّه عددا من الشكاوى ضد عون إلى هيئة التفتيش القضائي كما نستشف من الحكم التأديبي بما يعكس مواقف مسبقة واضحة، وأن مجلس القضاء الأعلى وصل إلى حدّ التهويل بعزل القاضية عون من دون محاكمة سندا للمادة 95 من قانون تنظيم القضاء العدلي وفق ما نقلته عدد من وسائل الإعلام. وإذ تعطّل ذلك بفعل ممانعة إحدى أعضاء المجلس آنذاك هيلانة اسكندر المضيّ فيه، فإن المجلس لم يجدْ حرجا في إصدار بيان علنيّ بإدانة "سلوكيّات" غادة عون ومطالبة التفتيش القضائي بالتحقيق معها.
 
وهي من جهة ثانية تتمّ في محاكمة سرّية، من دون منح القاضية عون إمكانية المطالبة في إجرائها علانية في حال رأت ضرورة في ذلك. وهذا أيضا ما أكدت عليه لجنة البندقية في رأيها المشار إليه أعلاه. 
 
أخيرا، يُسجّل أن قانون تنظيم القضاء العدلي لا يتضمّن أيّ تصنيف للمخالفات التأديبية أو العقوبات التي تتناسب مع خطورتها. ومؤدّى هذا الأمر هو أنّ مجالس التأديب تتصرّف وكأنّ بإمكانها أن تحدّد العقوبات  التي تراها مناسبة تخفيفا أو تشديدا من دون استشعار أنها مقيدة بأيّ ضوابط. وهذا الأمر الذي دفعها أحيانا إلى إنزال عقوبات مخفّفة بحقّ قضاة ثبت تلقّيهم هدايا ورشاوى مقابل إنزال عقوبات مشدّدة بحقّ قضاة قد يُعاب عليهم تجاوز موجب التحفظ (أو بالأحرى موجب الصمت). وهذا أيضا ما أشارت إليه لجنة البندقية في رأيها المذكور أعلاه داعية إلى التأكيد على ضرورة تناسب العقوبة مع خطورة الفعل. 
 
يؤمل أخيرا أن تصوّب الهيئة العليا للتأديب العمل التأديبي في اتجاه تحويله إلى أداة لتعزيز استقلالية القضاء والوظيفة القضائية في محاسبة المرتكبين، بدل أن تكون أداة لتقويض استقلالية القضاء ووظيفته وصولا إلى تعطيله بالكامل".