فريدريك الخرّاط


معذور الياس ميشال المر في إطلالاته على الشاشات، ومعذور عندما يصب كامل غضبه على حزبي القوات والكتائب اللبنانية. 
في حين يدعي أنه لا يريد الدخول في زواريب السياسة لأنه ليس على خصومة مع أحد ومع "الكل سمنة وعسل"، بابتسامته العريضة، تراه لا يفوّت فرصة إلا وينكب على الحزبين بالاتهامات ونبش القبور معهم.
يدعي المر، حامل الإرث، أنه ليس حليفًا لأحد، لأنه لا يشبه هذه الطبقة، متأنيًا في تلميع صورة الثنائي.
يهاجم المر فكرة الأحزاب، مطلقًا من خلالها "حركة الجمهورية"، وكأن بيتهم السياسي أدرّ ّعلى اللبنانيين بالخير والأموال، ولم يسرق من أموال الشعب ويستفيد من أكتافه.
يقدم المر حركته كبديل عن الأحزاب، هدفها تأمين حاجات القرى المتنية من أجل تطويرها، دون أهداف سياسية. فهي غطاء لبيتهم الخدماتي، واستمرار لنهجه، فمتى كان لدى بيت المر مشروع سياسي؟ فلطالما بنوا شعبيتهم على الزبائنية والخدمات.
يهاجم المر أحزاب لبنان على أنهم شاركوا جميعهم في الحرب. ربما لأن بيتهم اعتاد على سياسة الزحف للمحتل، ولا يناسبه المناخ السيادي في المتن. هل تناسى المر أن والده أُنزِل على المتنيين بمظلة الإحتلال السوري؟ هل تناسى أنه كان أول المستفيدين منه، وأول المتعاملين والمطبعين معه؟ هل تناسى سياسة الترهيب والترغيب التي كان يتعامل بها والده في زمن الاحتلال حين كان يهدد المتنيين بأرزاقهم، ويرغّبهم بوظائف الدولة من أجل الحصول على أصواتهم؟ 
طبعًا، الحرب جريمة، ولكن لكل حرب ظروفها، ولطالما كانت الأحزاب التي يهاجمها تدافع عن وجود أهلها في مناطقهم ضد الإحتلال السوري. فكان الأجدى ببيت المر ألا يتعامل مع المحتل لبناء مصالح بيته الشخصية وبناء شعبيته من "كيس" الدولة بتسهيل من المحتل.
معذور المر حين يدافع عن المحتل، كيف لا وهو الذي فتح بيته حين نُفيت وسُجنت قيادات الأحزاب؟ فمناخ الاحتلال يلائم بيت بتغرين. فالعمالة مبررة في مفهومهم الخدماتي.
ينتفض "دولته" حين تقول له المحاورة أن الناس انتفضت عليكم في ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩، مبرراً "أنا ما كنت بالسلطة". وهو نفسه يرد عليها حين تقول له أنك لم تكن قريبًا من الأرضية المتنية طوال هذه السنوات، "أنا من أدار حملات ميشال المر الوالد في انتخاباته الأخيرة، وبيتنا مفتوح منذ سنوات". وكأن نهج الياس تغير عن نهج والده. 
هل تناسى آخر انتخابات نيابية، أي في ٢٠٢٢ أن بيتهم أغدق المتن بالرشى الانتخابية التي تقدر بملايين الدولارات؟ 
يهاجم المر الأحزاب نفسها لأنها رشحت على لائحتها أشخاصًا من أبناء بتغرين، متهمًا إياهم بالخيانة، وكأن بيتهم نصب نفسه وليًا لأمور أهل بتغرين، أو أنها إمبراطورية كتبت باسم آل المر. ربما دولته لا يزال يعيش في زمن العثمانية، أو أن الإقطاعية تنمو بالفطرة. 
يتهم دولته بعض المتنيين بعدم الوفاء لأبو الياس في آخر عمره، على أساس أنه لا يجوز انتزاع مقعده النيابي في آخر عمره وكسر خاطره.
وكأن المقعد الأرثذوكسي في المتن جائزة ترضية أو منصب فخري لإنجازاتهم المتنية اللامتناهية، أو أن المجلس النيابي مأوى عجزى يأوي المسنين في آخرتهم، بدل انتخاب طاقات شبابية تقدم مشاريع واقتراحات القوانين بدل الإقطاع السياسي المبني على الزبائنية ونهش مقدرات الدولة والتوظيف فيها. 
يتعامل الياس مع المتن وكأنه ملك "بيت بيّه"، أو أنه إمارة تربع على عرشها ليقرر عن أهلها. يبرّر انضمام نجله "ميشال جونيور" إلى كتلة المردة أنها ليست بحكم تموضعه مع الممانعة بل بحكم الصداقة مع النائب طوني فرنجية، وليس بهدف سياسي.
وكأن الكتل النيابية صنعت للعب الطاولة أو الطرنيب أو الغلة. تناسى دولته أن المجلس النيابي هو قائم على تحالفات سياسية جدية بين مشاريع متخاصمة، وليست كمن يسجّل ولده في colonie، يرسله صباحًا ويعود إلى بيته بعد الظهر.
 سخيفة وتافهة وسطحية هذه التبريرات لرئيس إنتربول سابق، ووزير داخلية ودفاع سابق.
 ربما لأنها ليست الحقيقة التي اختار دولته تموضعه على أساسها.
 يكمل المر في حديثه مخوّنا محكمة العدل الدولية، منقلباً على مواقفه السابقة، ومتناسياً أنه أحد شهداء ثورة الأرز الأحياء، ربما لأن الدفة لم تعد لصالح هذه الجهة في حساباته السياسية.
 لا يترك المر فرصة إلا ويبرر فيها مواقف حزب الله إن كان في حرب المشاغلة مع إسرائيل أو في رئاسة الجمهورية، أو في حتى تبرأته من محاولة اغتياله.
 يتابع حديثه ليقول آخراً أن "النائب ميشال المر وديعة لدى الثنائي الشيعي، فليحموه". وكأن أرادت هذه الجملة أن تكشف المستور، إذ أن الأب لا يريد أن يكرر السيناريو مع ابنه، وأراد أن يجنّبه إياه، فراح يتبكّبك مقدمًا أوراق اعتماده لدى الثنائي، وتاليًا إيران. فهكذا قدم والده أوراق اعتماده لدى النظام السوري.
يركز في حديثه على أن مشروعه ومشروع حركته في المناطق المسيحية، معتمدًا على شبكة علاقاته "الدولية". وهذا ليس تفصيلاً في القراءة السياسية، فهل لالياس المر أجندة سياسية في البيئة المسيحية؟ فالمسيحيون لا يريدون "حصان طروادة" جديد بينهم، وهم يتخلصون تباعًا من أمثال دولته الذميين من بيئتهم.
معذور الياس المر، حين يهاجم الأحزاب السيادية دون سواها، لأنه يعلم أن بوجودها لن يكون لبيته الإقطاعي أي دور، والدليل الانتخابات النيابية، التي نالت فيها الأحزاب السيادية في المتن من "القوات" و"الكتائب" النسبة الأكبر من الأصوات وخاضت الانتخابات منفردة، ولولا تحالفاته الهجينة مع الحزب القومي السوري والطاشناق لما لمس عتبة الحاصل الانتخابي، كما يعلم أن بيته إلى اضمحلال، بعدما هبط مجموع الأصوات التفضيلية للمر الجد في انتخابات ٢٠١٨ من حوالي ١٣ ألفًا، إلى ٧ آلاف صوت في ٢٠٢٢ للمر الحفيد.
معذور الياس المر حين يعلم أن بوجود الدولة لا دور لبيته الإقطاعي والذمي، الذي لطالما اعتاش كفطريات سياسية على نهب الدولة ومقدراتها، وسلب أراضي المتنيين المعارضين واستعمال رؤساء بلدياتها ومخاتيرها كأوراق ضغط ومفاتيح انتخابية وابتزازهم. لا يا دولة الرئيس، فزمن الرضوخ والطاعة قد ولّى.
تأمل الجمهور السيادي خيرًا بالياس المر في بداياته السياسية، علّه يكسر حلقة الذمية في بيتهم السياسي ويكون نقطة تحوّل من سياسة الزحف، كونه شكل أحد رموز ١٤ آذار في محاولة اغتياله، إلا أنه جاءهم نسخة معلبة عن والده منقلبًا على مواقفه ومقدمًا أوراق اعتماده لدى الممانعة برتبة ذمي في البيئة المسيحية. كما لم يبدّل من مفاهيم بيته البالية، وكأن المناصب الدولية التي تولّاها لم تزيد على خبرته شيئا في الحياة السياسية. هل لا يزال الياس يعيش في زمن المماليك؟ أم أن "الثنائي" حمّله مشروعًا أكبر من طاقته وأوسع من حدود المتن؟"

 

(الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News")