طارق أبو زينب- كاتب مهتم بالشأن الخليجي والعربي


لم يكن ما قبل الخامس والعشرين من نيسان / أبريل ألفين وستة عشر كما بعده، لا للسعوديين ولا للمنطقة ولا حتى للعالم. ثمانية سنوات مرت على رؤية 2030 السعودية، كانت انطلاقتها جلسة استثنائية لمجلس الوزراء السعودي، وقع فيها الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على اعتماد رؤية 2030 التي فاجأت السعوديين بطموح غير محدود. قال الملك سلمان حينها: "هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك." وأضاف عراب الرؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان: "يسرني أن أقدم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم للغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعًا وتعكس قدرات بلادنا. دائمًا ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة."

طموح الأمير محمد بن سلمان
تعد رؤية 2030 خطة استراتيجية تمثل خريطة طريق على كل الأصعدة لتقليص الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد السعودي، وتهدف إلى تعزيز مجتمع نابض واقتصاد مزدهر وأمة طموحة، لتكون السعودية في مقدمة دول العالم. وقد تبنى الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وأصبحت الرؤية الحاضر والمستقبل للشعب السعودي، كما تحتوي على العديد من البرامج المتنوعة وأبرزها المشاريع العملاقة والحيوية.

أسرع اقتصادات مجموعة العشرين

وفي العام الماضي، أصبحت المملكة العربية السعودية أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموًا، وفقًا لصندوق النقد الدولي، في حين انخفض معدل البطالة إلى 4.8%. وتجاوزت بالفعل هدف مشاركة المرأة في القوى العاملة بنسبة 30% الذي حددته رؤية 2030. وبحلول نهاية العقد، تهدف المملكة إلى تحقيق الإنجاز الطموح انطلاقًا من المحاور الثلاثة المتمثلة في إنشاء اقتصاد لا يعتمد على النفط، مع تحسين حياة ما يقرب من 40 مليون شخص، والحفاظ على مكانتها على المسرح العالمي.

مدينة نيوم ضمن رؤية 2030

في هذا الصدد، يقول الباحث الاقتصادي المصري أحمد الحمامي لـ  "Transparency News" يمثل مشروع "مدينة نيوم" بصفة خاصة نواة رؤية 2030، ففي الركن الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، تتميز نيوم بموقعها الاستراتيجي على ساحل البحر الأحمر. نيوم هو حلم جريء وطموح لمستقبل جديد، وهو انطلاقة التغيير التي ستجسد مستقبل الابتكار في الأعمال والمعيشة والاستدامة.
وأضاف الحمامي: "تمثل نيوم أحد المشاريع الكبرى لصندوق الاستثمارات العامة. ستُبنى نيوم لتكونَ ميدانًا حيًا ونابضًا بالتجارب، وتصبحَ منصّة عالمية ترسمُ فيها ريادةُ الأعمال والابتكار معالمَ المستقبل الجديد. ستفتح نيوم أبوابَها لتكون موطنًا ووجهةً لأصحاب الأحلام الكبيرة، ولكل من يطمح أن يُسهم في بناء نموذج جديد لمعيشة مستدامة ومزدهرة".
واعتبر الحمامي أنّ مفهوم نيوم لا يقتصر على المكان فحسب، بل هو توجُّه فِكريٌ ونمط حياة. تصميم هذا النموذج وإنشاؤه وإدارته قائم على أسلوب متحرر من قيود المنهجيات القديمة للبنى التحتية الاقتصادية والبيئية والتي ستعد من أبرز المدن حول العالم. سيحقق مشروع نيوم تحت مظلة رؤية السعودية 2030 ثلاثة أهداف رئيسية، تتمثل في تحقيق معيشة استثنائية، وبيئة أعمال مزدهرة، وإعادة ابتكار مفهوم الاستدامة".

مدينة ذا لاين

أما المستشار البيئي الإماراتي أحمد الكعبي، فيقول لـ"Transparency News"، إن مدينة "ذا لاين" تُظهر التصميمات المبتكرة هيكلًا واسعًا يشبه المرآة في الصحراء، يبلغ عرضه حوالي 650 قدمًا وطوله 100 ميل.
ويقول القائمون على المشروع إن المدينة المتطورة الخالية من السيارات ستعمل بالطاقة المتجددة بنسبة 100% وستضع الخدمات على بعد خمس دقائق سيرًا على الأقدام من 9 ملايين شخص. ويرمز مشروع ذا لاين إلى كل ما تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيقه من خلال رؤية 2030، وبناء مساحات بيئية خضراء صالحة للعيش بها فرص اقتصادية، ووضع معايير لمدينة مستقبلية يقتدي بها الآخرون في جميع أنحاء العالم.

مشاريع البحر الأحمر

هناك أكثر من 20 مشروعًا آخر في رؤية 2030، مثل وجهة العطلات على البحر الأحمر، ومدن الفنون والترفيه، والتي يتم تصميمها كوسيلة لبناء السعودية، بما يضمن وظائف لجميع مواطنيها. وما تقوم به المملكة هو عمل للمستقبل، باستثمارها بكثافة محليًا ودوليًا، وزيادة مساهمة الصادرات غير النفطية في ناتجها المحلي الإجمالي غير النفطي من 16% إلى 50% كجزء من أهداف رؤية 2030.

إلى منتصف الطريق

في هذا السياق، يبدو الاهتمام والمتابعة الدولية واضحة بنتائج وبرامج رؤية 2030 ومراقبة تطور سياسة المملكة العربية السعودية الاقتصادية، فقد صرح البروفيسور سايمون مابون لشبكة "بزنس بوست"، وهو باحث في مركز السياسة الخارجية في لندن، قائلاً: "لا يتعلق الأمر فقط بتنويع الاقتصاد السعودي، بل بتحويل المجتمع بهدف إنشاء اقتصاد رشيق يمكنه الاستجابة لتحديات العالم الحديث."
وأضاف البروفيسور سايمون مابون: "لكن الوقت يمر بسرعة، فبعد سبع سنوات من الإعلان عن رؤية 2030، وصلت المملكة العربية السعودية إلى منتصف الطريق في جدولها الزمني، ولم يتبق سوى سبع سنوات على خط النهاية."

تحول تاريخي

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث السعودي في الدبلوماسية والعلاقات الدولية المستشار إبراهيم الصالح في حديث لـ"Transparency News" لا شك أن الرؤية 2030 حققت الأهداف المأمولة في وقت وجيز، بتنويع الصادرات وعدم الاعتماد على النفط فقط، وتعزيز مقومات النجاح الاقتصادي، والتقليل من السلبيات قد المستطاع. وجميع الخطوات المتخذة لها دور في تأمين حياة اقتصادية آمنة للشعب السعودي واستمرارها للأجيال المقبلة.
ويتابع الصالح حديثه، كما ذكرت أن تنوع الاقتصاد كان له آثار إيجابية عدة، وحقق نجاحات في وقت قياسي، مما جعل المملكة أرضًا خصبة للاقتصاد تسعى الشركات العالمية إلى العمل عليها، وهذا التقدم الاقتصادي للمملكة ما هو إلا جزء من خطة متكاملة لتحسين الأوضاع الاقتصادية بشكل مستمر.

دور المرأة في رؤية 2030

وفي حديث مع الإعلامية اللبنانية سيما البزري، قالت لـ"Transparency News" رؤية 2030 قد أحدثت تحولًا كبيرًا في المجتمع السعودي من خلال تأثيرها الاجتماعي. تركز الرؤية على تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة، وتطوير قطاعات مثل الترفيه والثقافة، وتحسين جودة الحياة. كما أنها تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتقديم فرص أفضل للشابات والشباب السعودي. وبفضل تنفيذ هذه الرؤية، شهد المجتمع السعودي تغيرات إيجابية في العديد من المجالات، مثل زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وتوفر فرص عمل جديدة، وتنوع الأنشطة والفعاليات الترفيهية والثقافية، وتطور في البنية التحتية والخدمات العامة والخدمات الاجتماعية، التي عززت العلاقات الاجتماعية والتعاونية بين جميع طبقات المجتمع وانفتحت البيئات على بعض بطريقة سلسة أظهرت الثقافات المختلفة لدينا.

وأضافت سيما البزري: "التحول الاقتصادي في الاقتصاد السعودي يعتبر أمرًا حيويًا وضروريًا. يهدف التنويع الاقتصادي إلى تخفيف الاعتماد الكبير على النفط وتعزيز قطاعات أخرى مثل الصناعة والسياحة والتكنولوجيا والزراعة. يتيح هذا التحول توفير فرص عمل جديدة وتعزيز الاستدامة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل. كما يساهم في تعزيز الابتكار والتطوير التكنولوجي والإبداع الفكري وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية. من خلال التحول الاقتصادي، يتم تعزيز القدرة التنافسية للمملكة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية شاملة"

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News