حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي


يشهد لبنان حالة فراغ في القيادات السياسية، خاصةً في هذه الظروف الصعبة والمصيرية، حيث يفتقد وجود رجال دولة قادرين على حل المعضلات الصعبة التي يعانيها هذا الوطن المسلوب الإرادة ، والذي يعيش حالة احتلال مقنع، يفرضه حزب الله بقرارٍ من إيران، بعد انسحاب الاحتلال السوري في عام ٢٠٠٥ إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري .
تأتي هذه الأزمات في وقت تشتد فيه المغامرات المجنونة في المنطقة، والتي بدأت في السابع من أكتوبر - تشرين الأول من العام الماضي، حيث قامت حركة حماس بشن هجوم مباغت على الحدود في قطاع غزة، مما أدى إلى نشوب حرب ضروس تسببت في دمار القطاع وموت أكثر من سبعين ألف شخص.
ونظرًا لأن لبنان يُديره سياسيون قاصرون يعيشون ترف السياسة والتناحر المستمر، وبسبب عدم قدرتهم على انتخاب رئيس للجمهورية وإدارة الانتخابات البلدية والاختيارية، والتي تم تأجيلها للمرة الثانية، يتم التحكم فيهم من قبل بعض العملاء للخارج والاحتلال. دخل لبنان في مغامرة غير محسوبة في الثامن من أكتوبر تحت حجة مساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ما أدى إلى دمار القرى والبلدات الحدودية، ونزوح السكان، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي كانت مستمرة منذ سنوات.
رغم كل ذلك ، لا يزال السياسيون اللبنانيون، بما يُمثلونه من قوى سياسية وأحزاب، عاجزين عن وضع حد لهذه المغامرات، لأنهم أقوياء في التنازع فيما بينه ، لكن يجمعهم الجبن والتخاذل في مواجهة حزب الله وحليفه نبيه بري. يختصر هذا الثنائي ويحتكر تمثيل الطائفة الشيعية بالقوة، ويرهن لبنان بأسره لطهران ومشاريعها في المنطقة العربية والإقليم، خدمة لمصالحها ومشاريعها في استعادة زمن الإمبراطورية البائدة، التي تبحث من خلالها  عن دور في هذه المنطقة .
هذا الأمر يُظهر كم يحتاج لبنان إلى رجال دولة من الطراز الرفيع لإنقاذ الوطن واستعادة دوره الريادي، ويعود ذلك إلى القحط السياسي الذي يعيشه لبنان في ظل هذه الطبقة السياسية المشغولة بالمحاصصة الطائفية هنا والأنانيات الحزبية هناك ، بحثًا عن دور أو حجز مكان في المستقبل.
هذه الطبقة السياسية مستسلمة لإرادة المحتل، الذي سيطر على البلاد ويقودها في مغامرات وجنون لم يعشهدها لبنان في أسوأ مراحل تاريخه حتى إبان الحرب الأهلية البغيضة، وكل ما يقوم به السياسيون وقواهم الحزبية والسياسية، هو انتظار عمل اللجنة الخُماسية التي تعمد على تقطيع الوقت في انتظار ما يُرسم للمنطقة من حلول على وقع نتائج الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، والتي قد تبقي بعضهم في مواقعهم أو تعود عليهم بحصص محدودة
نعم لبنان، الوطن الذي كان درة هذا الشرق، أصبح ملحقًا بسياسة طهران ومحورها الممانع المأزوم والمهزوم في آن واحد، لكنه يتباهى بانتصارات هزلية أدت إلى ضياع ما تبقى من مكامن قوة في هذا الشرق ووضعته على طاولة المفاوضات تحت حجة المقاومة وتحرير فلسطين، فضاعت فلسطين وضاع معها لبنان وسوريا والعراق واليمن.


المصدر : Transparency News