فريدريك الخراط


لم يجف دم منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل المغدور باسكال سليمان، حتى انهالت الاتهامات والردود السياسية، رغم استدراك قيادة 'القوات' منذ اللحظة الأولى للوضع والطلب من مناصريها إخلاء الطرقات لمنع تفلّت الشارع، وقطع الطريق على من يريد جر البلد إلى فتنة داخلية. كما عممت على محازبيها بعدم رمي الاتهامات جزافاً حتى معرفة ملابسات الخطف والقتل.
لم يتأخر أمين عام محور الممانعة، السيد حسن نصرالله، حتى يطل في اليوم التالي، مستبقاً التحقيقات، ومتهماً حزبي القوات والكتائب اللبنانية بإثارة الفتنة، ومستذكرا الحرب الأهلية، غامزًا من قناة غزوة عين الرمانة، قائلاً "سكتنا وقتها".

يعلم نصرالله جيّداً من يتحمّل مسؤولية غزوة عين الرمانة، إذ إنه المسؤول الأول والأخير عن تنظيم مسيرة مسلحة وبالأسلحة الثقيلة، عارضاً عضلاته في بيروت والاعتداء على سكان منطقة آمنين. فلا يقع اللوم على أهل المنطقة حين يدافعون عن أنفسهم، ولا على الجيش اللبناني حين يرد على مصدر الترهيب.

كما يعلم نصرالله جيداً أن الرواية التي سوّقها، وتطابقت 'صدفة' مع رواية الجيش، هي من نسج أروقة الممانعة.فالفبركات لم تتوقف عند هذا الحد، حتى بدأ بث الشائعات عن طرد السوريين من المناطق المسيحية لخلق الفتنة بين 'القوات' واللاجئين السوريين وجر 'القوات' والشارع إلى اقتتال يودي إلى حمام دم، يحرف الأنظار عن تورّط حزب الله، تمامًا كما اختلق شائعة حاجز قواتي في صيدا.

سقطت الرهانات نحو جر 'القوات' إلى الشارع لم يستطع حزب الله تسويق روايته داخل الرأي العام اللبناني، ففوجئ برفض تام لتسويق الرواية، وبأصابع الاتهام تشير إليه، ليس لأن الرأي العام اللبناني أراد اتهام الحزب ظلماً ولا أراد التبلي عليه، بل لعدة أسباب وجيهة.

ففي الشكل، تبنى حزب الله رواية غير مقنعة وغير منطقية، أشعر اللبنانيين كافة بمحاولة منه لإخفاء الحقيقة، وتطابقها صدفة مع الأجهزة الأمنية، ومحاولة لاستغباء الرأي العام.
إن خبرة اللبنانيين مع أحداث سابقة مماثلة، وإن كانت أقربها اغتيال القيادي القواتي الياس الحصروني 'الحنتوش' في عين إبل، ومحاولة حزب الله طمس الحقيقة، وتسويق بأنه حادث سيارة، قبل أن يتبين من خلال كاميرات المراقبة أنها جريمة منظمة في منطقة تقع تحت سيطرته.

جريمة خطف واغتيال رئيس دائرة الجامعة اللبنانية السابق الشهيد رمزي عيراني، الذي تم اختطافه ووضعه في صندوق السيارة، في ظل الاحتلال السوري، حليف حزب الله.
اغتيال رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري وتسويق حزب الله لرواية 'أبو عدس'. 

تفجير مرفأ بيروت وتسويق حزب الله لرواية 'معلّم التلحيم'. أما في رواية خطف باسكال سليمان نفسها، فتشوبها الكثير من التناقضات، ومنها ثمن السيارة، وبخاصة أن ثمنها أقل من التي استخدمها الخاطفون لتنفيذ العملية، ثم تم تركها. نوع السيارة غير مرغوب من قبل عصابات السرقة. كيف لسيارة أن تجتاز الحدود وأوصافها معممة من قبل الأجهزة الأمنية؟ لماذا تحتاج عصابة سرقة إلى خطف السائق وقتله؟ كما أن الخاطفين اجتازوا الحدود من خلال بلدة يسيطر عليها حزب الله.

لم يتوقع حزب الله ردة الفعل اللبنانية والتفاف المعارضة حول القوات اللبنانية بشكل غير مسبوق. فقد بدت المعارضة متراصة أكثر ومتصلبة بوجهه، واضعة الحزب في دائرة الاتهام. كما اعتبرت المعارضة أن اغتيال باسكال سليمان رسالة ليست فقط للقوات اللبنانية، بل لها أيضاً، ولكل لبناني حر معارض لحزب الله. إذ شكلت رسالة تهديد وجودية، وانقلاب على الدولة والشعب والأجهزة الأمنية. 
كما أن موقف القوات اللبنانية وسمير جعجع الذي بدا عقلانياً ورصيناً مستدركاً الوضع، ورافضاً الانزلاق إلى الفتنة والتفلت الأمني، بعكس ما بدا على نصرالله في اليوم التالي من الاغتيال، الذي بدا متوتراً، كان لافتاً للرأي العام اللبناني حتى أجبر النواب الرماديين للتضامن مع القوات، واتهام حزب الله بضلوعه في الجريمة.

فرغم الجو المتوتر الذي مرّت به القوّات جراء اغتيال أحد قيادييها، بدت أكثر متوازنة ومتزنة وحريصة على الدولة من غيرها، مما لمسه الكثير من سياسيين وصحافيين، ودفعهم للإشادة بموقفها والتضامن معها، إذ أصبحوا على يقين بمن يريد بناء الدولة، ومن يريد تدميرها والانقلاب عليها، غير آبه بمصلحة شعبها. بدا موقف حزب الله ضعيفاً أمام الرأي العام اللبناني، وبمواجهته منفرداً، الذي عرّى ارتكاباته ورواياته المختلقة، ووضعه في دائرة الاتهام، دون حتى أي غطاء مسيحي.

ربما هي مرحلة مفصلية، تشبه عشية ١٤ آذار في مشهدها الجامع للأطراف اللبنانية بكل طوائفهم وتمسّكهم بسيادة الدولة بوجه حلفاء سوريا سابقاً، وعملاء إيران حالياً. ربما هي ساعة جلاء الحقيقة!

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News