حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي 


بعد مئة وواحد وسبعين يوماً على حرب المشاغلة في جنوب لبنان مع إسرائيل، والتي بدأها حزب الله لمساعدة المقاومة الفلسطينية  في قطاع غزة، يتبين أكثر فأكثر مأزق حزب الله الذي أدخل لبنان وأدخل نفسه فيه، مما سبب أزمات كبيرة على مختلف الأصعدة، والتي بدأت تتراكم لتُشكل مأزقاً كبيراً جداً، قد لايجد حلولاً تُخرجه مما هو عليه إلا إذا توقفت الحرب في غزة نتيجة هدنة ما أو وقفاً لإطلاق النار ضمن ما يُحكى عن صفقة تبادل يُكثر الحديث عنها في هذه الأيام، والتي قد تحدث قريباً وربما تطول فترة انتظارها نتيجة التراكمات التي تُؤخر موعدها .
هذا الأمر يُرخي بظلاله على أوضاع حزب الله الذي بدأ يتخبط بأزماته من خلال سير المعارك في الجنوب، والتي تمتد بين الحين والآخر لتطال مناطق بعيدة جداً عن خطوط الجبهة، وهذا ما يُساهم في ازدياد حجم المأزق الذي يتخبط به حزب الله ويزيد الأمور تعقيداً .
من الناحية العسكرية، يزداد الضغط كثيراً على الحزب، فإسرائيل تعمل على توسيع جبهة القتال، والتي تطال عمق مناطق لبنانية جديدة، إن في بعلبك وأيضًا الذي حصل منذ أيام فأغار طيرانها على بلدة الصويرة القريبة من منطقة المصنع الحدودية مع سوريا. كل ذلك، وحزب الله عاجزًا عن الرد في العمق الإسرائيلي، ليس لعدم قدرته على الرد فحسب، بل لأنه لايستطيع الخروج عن القرار الإيراني في عدم الانجرار بفتح حرب شاملة، لأن إيران تُجري مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الولايات المتحدة، وبالتالي فهي لاترغب بتوسيع رقعة الحرب حفاظاً على مصالحها من ناحية، ولعدم قدرتها على خوض حربًا شاملة في مواجهة إسرائيل والتزامًا بأن الولايات المتحدة لاتريد توسيع الحرب وامتدادها الإقليمي .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نتائج الحرب التي بدأت تكبر أكثر من أي وقتٍ مضى من خلال استعمال إسرائيل أسلوب الأرض المحروقة في مناطق الجنوب لاسيما في القرى الحدودية من تدميرٍ ممنهج للقرى والبلدات، وهذا ما يزيد حجم الخسائر، بالإضافة إلى قصف الأحراج والمناطق الزراعية بقذائف الفوسفور الأبيض والممنوع استعماله دولياً لما له من نتائج مُدمرة على مستقبل الزراعة في المناطق الحدودية، مما يُساهم في إبعاد المواطنين الجنوبيين عن مصادر رزقهم وهي في زراعة الأرض ورعي مواشيهم فيها، مما يُساهم في قيام منطقة عازلة على الجانب اللبناني من الحدود، مما يخلق أزمة حقيقية لوجود حزب الله في تلك المناطق .
يُضاف إلى ما تقدم أن حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات يُلقي أعباءً كثيرة على الحزب على صعيد التعويضات، والتي أصبحت كلفتها كبيرة جدًا، في ظلّ عدم توفر إمكانيات لدى الحكومة اللبنانية، والتي تتخبط في أزمة اقتصادية كبيرة، خارجة عن قدرتها في تأمين التعويضات، بالإضافة إلى خروج أصوات القوى السياسية المعارضة، والتي بدأت تُصرح بضرورة التعويض على الخسائر من قبل حزب الله، الذي اخذ قرار الحرب بمعزل عن إرادة اللبنانيين وأدخل الجميع في أتون الحرب .
هذا الأمر يُلقي بثقله على كاهل حزب الله والعاجز في ردع إسرائيل، من خلال خسارته قوة الردع التي كان يتغنى بها أمينه العام حسن نصرالله وقياداته في الخطب والمقابلات المتلفزة وسواها، وبالتالي أصبح عاجزاً عن امتلاك زمام المبادرة والتي أصبحت اليوم بيد حكومة نتنياهو الإسرائيلية، ومع كل يوم يتعمق مأزق حزب الله أكثر فأكثر، نتيجة ربط وقف الحرب جنوباً بوقف الحرب في قطاع غزة، وهنا لابد من ذكر العديد من المبادرات وخصوصاً الفرنسية وجولات آموس هوكشتاين والتي اصطدمت بحائط مسدود من حزب الله والحكومة اللبنانية العاجزة عن اتخاذ قرار بعيداً عن موقف حزب الله، مما وضع حداً للمبادرات الجديدة، وبالتالي توقف المبادرات حالياً في انتظار توقف الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة نتيجة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إطار صفقة التبادل، والتي قد تنعكس على جبهة لبنان الجنوبية .
هذا الأمر بدأ فعلاً يُقلق قيادة حزب الله ويضعها وجهاً لوجه مع المواطنين اللبنانيين عمومًا والجنوبيين خصوصًا. وقد بدأت الأصوات تتعالى احتجاجًا على هذه الحرب، والتي ساهمت في ازدياد أعداد النازحين، والتي تزيد عن مئة ألف نازح، دون أن يلقى النازحون الاهتمام الكافي، خاصةً أن امكانيات الحكومة اللبنانية عاجزة، لا بل محدودة. وهذا ما يلقي بثقله على عموم النازحين، خاصةً في شهر رمضان الكريم .
كما زادت أزمة النازحين الجنوبيين، حتى لو توقفت الحرب غدًا. فالعديد منهم لا يستطيعون العودة إلى قراهم وبلداتهم بسبب الدمار الذي لحق بمنازلهم، وقد فقدوا مصدر رزقهم ومعيشتهم أيضًا. وهذا الأمر يزيد من مأزق حزب الله مع الجنوبيين، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدم إمكانية تعويض الدولة على المواطنين، في ظلّ تخلي الدول العربية ولا سيما الخليجية منها عن مساعدة الحكومة اللبنانية التي يعتبرها البعض أنها حكومة حزب الله، عدا عن مأزق حزب الله في كونه يُعيق عملية انتخاب رئيس للدولة ويساهم أكثر في تمدد الفراغ في سدة الحكم، وتشكيل حكومة جديدة قادرة على الحكم، بدل من الحكومة الحالية التي تُصرّف الأعمال دون إجماع وطني حولها.
إذًا، يعيش حزب الله ازمة حقيقية نتيجة تفرده بقرار الحرب بعيدًا عن الاجماع الوطني. وهذا ما يُعمّق الأزمة لأنه لايمتلك حرية الاختيار في قرار وقف الحرب، بعيداً على إرادة إيران. حيث يظهر كأداة طيعة بيد طهران، وليس كما يزعُم أمينه العام باستقلالية قراره. بل هو ذراع إيراني يُنفذ أوامرها، ولا يمتلك حرية القرار بمفرده.