جوزف بو هيا 


كشفت الأحداث الأخيرة عن فروقات عسكرية وتكنولوجية واضحة بين إسرائيل وإيران، مما أبرز تناقضًا بين قدراتهما وأدائهما. يهدف هذا التحليل، المقسم إلى جزأين، إلى دراسة الواقع العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي لكلا البلدين، وتأثيره على الأحداث الجارية. كما يُسلط الضوء على استراتيجيات البلدين في إدارة الصراع الدائر وتأثيره على أوضاع دول الجوار الأساسية مثل لبنان والعراق.

الجزء الأول: التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي

استطاعت إسرائيل أن تكون قوة عسكرية متقدمة في المنطقة بفضل التزامها العميق بتطوير التكنولوجيا العسكرية والابتكار. هذه الاستثمارات الاستراتيجية لا تقتصر فقط على تحديث الأسلحة، بل تمتد لتشمل تطوير أنظمة دفاعية وهجومية متقدمة، مما يعزز من فعالية إسرائيل العسكرية في مختلف السيناريوهات.

الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ
إسرائيل تمتلك أنظمة دفاع جوي متقدمة تضم عدة طبقات من الدفاعات وأنظمة صواريخ هجومية متطورة للغاية، تشمل:
دفاعياً؛
القبة الحديدية: مصممة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون، حيث تمتلك نسبة نجاح عالية جدًا في اعتراض الأهداف.
أنظمة دافيد سلينج (David’s Sling): تغطي الثغرات بين القبة الحديدية وأرو، وتوفر حماية ضد الصواريخ متوسطة المدى والطائرات من دون طيار.
نظام أرو (Arrow): يتكون من Arrow 2 و Arrow 3، الذي يعترض الصواريخ الباليستية في الغلاف الجوي العلوي والفضاء.
أما هجوميًا:
أنظمة الصواريخ الهجومية الإسرائيلية تمثل قمة التقنية والفعالية في العمليات العسكرية المثبتة. برز منها:
صواريخ مثل جيريكو III، الذي يعد صاروخا باليستيا عابرا للقارات بمدى يصل إلى 4,800 كيلومتر. يعتبر من أقوى الصواريخ الإسرائيلية ويمكنه حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية. دقته وقدرته على الوصول إلى أهداف بعيدة تجعله أداة هجومية استراتيجية رئيسية.
صاروخ دليلة، صاروخ كروز تكتيكي معروف بدقته العالية، يستخدم بشكل أساسي للهجمات الدقيقة ضد الأهداف المحمية أو المتحركة. يُستخدم بشكل واسع في العمليات العسكرية الإسرائيلية ويتميز بقدرته على تغيير الأهداف أثناء التحليق.
صاروخ لورا، صاروخ باليستي تكتيكي قصير إلى متوسط المدى، يمتلك مدى يصل إلى 400 كيلومتر. يتميز بقدرته على تحمل الرؤوس الحربية الكبيرة ودقته العالية، مما يجعله مثاليًا لضرب الأهداف الاستراتيجية بدقة.
هذه الأنظمة تتميز بتكنولوجيا متطورة، قدرات متكاملة تشمل الاستخبارات والرصد، وتنوع في المدى والوظائف، مما يجعلها أدوات فعالة في تحقيق الأهداف العسكرية الإسرائيلية وتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية.

القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية

إسرائيل تستثمر بكثافة في تطوير قدراتها الاستخباراتية وتكنولوجيا المعلومات، مما يمكنها من:
جمع المعلومات الاستخباراتية الدقيقة: من خلال استخدام الأقمار الصناعية المتقدمة وأنظمة الاستخبارات الإلكترونية والإشارات، يمكن لإسرائيل تحديد ومتابعة التطورات العسكرية والتكنولوجية في إيران وغيرها من الدول.
تنفيذ عمليات سرية دقيقة: القوات الخاصة الإسرائيلية، مثل "سييرت متكال"، لها تاريخ طويل في تنفيذ عمليات خارج الحدود تستهدف البنية التحتية العسكرية والنووية في الدول المعادية.

الهجمات السيبرانية والحرب الإلكترونية
العمليات السيبرانية:
كما في حالة دودة Stuxnet التي استخدمتها إسرائيل بفعالية كبيرة على مفاعل نطنز النووي وكُشف عن العملية سنة ٢٠١٠ وأشارت التقارير إلى تلف أو تدمير حوالي ١٠٠٠ طرد مركزي. إسرائيل لا تعتمد فقط على القوة العسكرية التقليدية، بل تستخدم أيضًا الهجمات السيبرانية لتعطيل وتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية. هذه الهجمات تظهر مستوى عالٍ من الدقة والكفاءة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية دون الحاجة للمواجهة المباشرة.
برنامج الطائرات من دون طيار:
برنامج الطائرات من دون طيار الإسرائيلي يُعتبر من الأكثر تقدمًا عالميًا، حيث يتميز بالقدرة على تنفيذ مهام استطلاعية وهجومية على أهداف بعيدة بفعالية عالية.
الطائرات مثل؛
"هيرون TP" مصممة للطيران لمدة طويلة وعلى ارتفاعات عالية، مما يمكنها من تغطية مساحات شاسعة وجمع معلومات استخباراتية عميقة داخل الأراضي المعادية دون الحاجة لتعريض الطيارين للخطر.
بينما تُستخدم طائرات مثل "هاروب" التي تجمع بين ميزات الطائرة من دون طيار وصاروخ الكروز، قادرة على الانتظار فوق المنطقة المستهدفة لساعات ثم الانقضاض على الهدف بمجرد التأكد منه، مما يزيد من دقة الضربات وفعاليتها.
هذه الطائرات تتميز بالدقة العالية، المرونة العملياتية، وقدرات تحمل ممتازة، مما يجعلها أدوات أساسية في الاستراتيجية العسكرية والأمنية الإسرائيلية.
في ضوء هذا التقدم التكنولوجي والعسكري، برزت إسرائيل كقوة رئيسية في المنطقة، مما عزز من قدرتها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتأمين مصالحها الوطنية. الاستثمار المستمر في التكنولوجيا والابتكار يضمن لها مكانة تنافسية على المستوى العالمي، مع تأثير مباشر على توازن القوى في الشرق الأوسط.
 في الجزء الثاني من هذا التحليل، سنستكشف كيف تواجه إيران هذه التحديات، والتدابير التي اتخذتها لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية رغم العقوبات والعزلة الدولية، والدور الذي تلعبه الجماعات المسلحة في استراتيجيتها الإقليمية.

 

( الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )