جوزف بو هيا


نستعرض في هذا الجزء مدى الجهوزية العسكرية والتكنولوجية من جهة إيران وكيفية استخدامها لأذرعها الإقليمية في دول الجوار للضغط على العدو وتأثير هذه الجماعات على الدول المضيفة. رغم امتلاك لأسطول كبير من الصواريخ والطائرات المقاتلة، تواجه تحديات جمة في الحفاظ على قدرتها العسكرية بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها والعزلة السياسية. هذه العقوبات قد أعاقت قدرة إيران على استيراد التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والأجزاء الضرورية للصيانة والتحديث، مما أثّر على كفاءة وفعالية قواتها المسلحة.

العقوبات وتأثيرها على التطوير العسكري

العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية قد حدّت بشكل كبير من قدرة إيران على تحديث أسطولها الجوي وأنظمتها الصاروخية وبرنامج الطائرات من دون طيار.
- الطائرات المقاتلة الإيرانية تتكون بشكل كبير من طرازات قديمة مثل F-4 Phantom وMiG-29، التي تم شراؤها في العقود الماضية ولم تعد تلقى الدعم الكافي للصيانة والتحديث. هذا يضع القوات الجوية الإيرانية في وضع غير مؤاتٍ مقارنة بالتقنيات الجوية المتقدمة التي تمتلكها إسرائيل مثل طائرات F-35 الشبح، التي توفر تفوقًا جويًا ملحوظًا.
- برنامج الصواريخ الإيراني يضم مجموعة واسعة من الصواريخ باليستية وصواريخ كروز، ويهدف إلى تعزيز قدرات إيران الدفاعية والهجومية. بعض من أبرز الصواريخ في الترسانة الإيرانية تشمل:

1. شهاب-3: صاروخ باليستي بمدى يصل إلى 2,000 كيلومتر، يُمكنه استهداف إسرائيل وأجزاء من أوروبا.
2. قدر: سلسلة متطورة من شهاب-3 مع تحسينات في الدقة والمدى.
3. سجيل: صاروخ باليستي يعمل بالوقود الصلب، يتميز بسرعة الإطلاق وقدرة على التخفي.
4. صومع: صاروخ كروز بمدى يصل إلى 2,500 كيلومتر، يعزز من القدرة على توجيه ضربات دقيقة على مسافات طويلة.
5. ذو الفقار: صاروخ بمدى 700 كيلومتر، يستخدم لاستهداف تجمعات القوات أو البنى التحتية.
- برنامج الطائرات من دون طيار الإيراني يواجه تحديات تكنولوجية تحد من دقتها وفعاليتها في العمليات المعقدة، خاصة في بيئات معادية للإلكترونيات. رغم هذه العقبات، تستمر إيران في استخدام هذه الطائرات بشكل فعال في النزاعات الإقليمية، كما في سوريا والعراق، حيث تعمل على تنفيذ هجمات ضد أهداف استراتيجية. ومع ذلك، فإن النقص في التقنيات المتقدمة يقلل من القدرة الإيرانية على تحقيق تأثير ملموس في هذه النزاعات، مما يعكس الفجوة التكنولوجية بين إيران والدول الغربية ويبرز التحديات التي تواجهها إيران في مواكبة التطورات العالمية في مجال الطائرات من دون طيار.

رغم هذه القدرات، تواجه هذه البرامج تحديات من حيث الدقة والقدرة على اختراق الدفاعات المتقدمة، حيث فشلت في عدة مناسبات من إصابات أهدافها، مع تأثير العقوبات الدولية والقيود التكنولوجية على تطورها. هذه العوامل تحد من فعالية الصواريخ الإيرانية في النزاعات المسلحة وهذا ما أظهرته الضربة التي حاولت إيران توجيهها إلى إسرائيل مؤخرًا.

محدودية النظم الدفاعية

أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، مثل نظام S-300 الروسي الصنع والنظم المحلية مثل بوار وخرداد، توفر بعض القدرات الدفاعية لكنها تواجه تحديات في مواجهة الهجمات الجوية المعقدة والمتقدمة تكنولوجيًا مثل الغارات الإسرائيلية. في الحالات العديدة، لم تظهر هذه الأنظمة الكفاءة اللازمة لاعتراض أسلحة مثل الصواريخ الدقيقة والطائرات من دون طيار المتطورة، وهو ما يشكل نقطة ضعف ملحوظة في الدفاعات الإيرانية.

تأثير العزلة السياسية

العزلة السياسية التي تواجهها إيران تؤدي إلى تقليص فرص التعاون الدولي في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، مما يجعل البلاد تعتمد بشكل متزايد على التطوير الذاتي الذي قد لا يرقى إلى مستوى التكنولوجيا العالمية. هذا الوضع يزيد من التحديات التي تواجهها في مواكبة التقدم التكنولوجي العسكري السريع في العالم.
إضافة إلى ذلك، إيران تستخدم الجماعات المسلحة الممولة من قبلها كأداة رئيسية لتوسيع نفوذها الإقليمي وتأمين مصالحها الاستراتيجية خارج حدودها. هذا النهج له تأثيرات خطيرة وغالبًا ما تكون سلبية على الاستقرار الإقليمي وإستقرار الدول الحاضنة لهذه الجماعات غير الشرعية.

توسيع النفوذ الإيراني

-حزب الله في لبنان: تعتبر إيران حزب الله ليس فقط كحليف استراتيجي بل كأداة فعّالة لتحقيق أهدافها في المنطقة. حزب الله، بدعم من إيران، قد نما ليصبح قوة عسكرية وسياسية مهمة في لبنان، مما يؤثر بشكل كبير على السياسة الداخلية والخارجية للبنان. هذا الدعم يشمل تقديم الأسلحة، التدريب العسكري، والدعم المالي، مما سمح لحزب الله بتطوير قدراته العسكرية لتشمل ترسانة كبيرة من الصواريخ التي يمكن أن تستهدف إسرائيل.  
- الميليشيات في العراق: إيران تدعم مجموعة من الميليشيات الشيعية التي زادت من التوترات الطائفية وأضعفت سلطة الحكومة المركزية في بغداد، مما يهدد الاستقرار الطويل الأمد للعراق ويوقف مسار بناء الدولة.

تأثيرات سلبية على الدول المضيفة

- التأثير على السيادة والاستقرار: تواجد ونشاط هذه الجماعات يعقّد الوضع الأمني في الدول التي تتواجد فيها وغالبًا ما يؤدي إلى انعدام السيادة الوطنية. في لبنان، مثلاً، يُعتبر حزب الله دولة داخل دولة، حيث يمتلك قوة عسكرية تفوق في بعض الجوانب قوة الجيش اللبناني نفسه. هذه الحالة تضعف الدولة اللبنانية وتجعلها أكثر عرضة للضغوط الخارجية والداخلية.
- النزاعات الطائفية والعرقية: أدى دعم إيران للميليشيات الشيعية في لبنان والعراق إلى تفاقم التوترات الطائفية، مما أثر سلبًا على جهود الحكومات لتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة المتآكلة بفعل الأزمات المتتالية.
- العقوبات والعزلة الدولية: إن الدعم الإيراني للجماعات المسلحة تسبب أيضًا في عقوبات دولية على هذه الدول المضيفة ليليشيات إيران، مما أدى إلى تدمير اقتصادهتا و حدّ من علاقاتها الدولية.

استراتيجية إيران في دعم الجماعات المسلحة تسمح لها بتوسيع نفوذها وتأمين مصالحها الإقليمية، لكنها تأتي بتكلفة عالية على الاستقرار الإقليمي وسيادة الدول المضيفة، مما يسهم في إطالة دورات الصراع والتوتر في الشرق الأوسط.تعتمد إيران بشكل كبير على الجماعات المسلحة التي تمولها في دول مختلفة كخطوط دفاعية أولى عن مصالحها في الخارج. هذه الجماعات، تمثل أذرع إيران الطويلة التي تستطيع من خلالها الضغط على خصومها. هذه الاستراتيجية تسمح لإيران بإبعاد شبح الحرب عن داخلها المهترئ، وتحويل ساحة الصراع إلى خارج حدودها الجغرافية، ما يخفف الضغط عن الجبهة الداخلية.

في النهاية وبعد هذا العرض من جزئين لقوة الطرفين الإسرائيلي والإيراني، يمكننا أن نفهم سبب إبتعاد إيران عن الدخول في مواجهات مباشرة مع إسرائيل أو الغرب، حيث تفضل اللجوء إلى المناوشات والحروب المحدودة من خلال وكلائها الإقليميين، وذلك بسبب عدم قدرتها على مجاراة المقومات العسكرية لأعدائها. 
إن التفوق الإسرائيلي لا ينبع فقط من التقدم التكنولوجي والعسكري، بل أيضًا من قدرة إسرائيل على تنفيذ وتحديث استراتيجياتها الأمنية بفعالية عالية. من ناحية أخرى، تجد إيران نفسها مضطرة للتعويل بشكل كبير على وكلاء خارجيين لتعزيز موقفها الإقليمي والدولي للتعويض عن ضعفها العسكري الواضح.

(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )


المصدر : Transparency News