يبدو حتى اللحظة، أن حالة التسيّب والاهمال تطغى على غالبية مؤسسات الدولة اللبنانيّة، وصار نهب أموال الدولة مسارًا معتمدًا في عدد لا بأس به من سفارات لبنان في الخارج. فالتحقيقات القضائية في قضية اختلاس مليوني دولار بسفارة لبنان في قطر لا تزال مستمرة للوصول إلى خواتيم هذه القضية وتحديد المتورطين.

ولعل المهانة الكبرى في هذه القضية أن مسألة الاختلاس كُشفت بعد حوالى السبع سنوات "عن طريق الصدفة"، ليتبين لاحقًا وبعد تحقيقات قضائية واسعة دامت لأشهر طويلة، أن المحاسب المالي عمد إلى تزوير العديد من الايصالات، وتلاعب بأرقام المبالغ المالية التي كان من المفترض وضعها داخل المصرف وبدأت عملية الاختلاس التي دامت لعدة سنوات من دون أن يتم ضبطها.

ففي العام 2019، طلبت وزارة الخارجية والمغتربين من بعثتها الدبلوماسية في قطر تحويل مبلغ من المال بهدف شراء مبنى للقنصلية اللبنانيّة في قطر، ليتبيّن بعد أسابيع من المراوغة والمماطلة، أن المبلغ المطلوب غير متوفر داخل السفارة اللبنانية بقطر، لأنه مسروق! وقيمته مليوني دولار أميركي.


تزوير مستندات!
وبعد ادعاء النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم على المحاسب المالي بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال التزوير، وبعدما تقدمت الدولة اللبنانية بشكوى أمام قاضي التحقيق في بيروت ضد السفيرين (ح.س)، و(ح.ن) خلال ولايتهما في السفارة اللبنانية بقطر بين عامي 2013 و2019، وبعد سلسلة من جلسات الاستجواب، بدأت خبايا هذه القضية تتضح أمام القضاء اللبناني والرأي العام.

 وبحسب مصادر قضائية رفيعة لـ"المدن" فإن التحقيقات أظهرت أن المحاسب المالي (أ.ف) تلاعب بالعديد من المستندات المصرفية، وقام بتزويرها وهو من المشتبه بهم منذ البداية وسبق وأن اعترف في بداية التحقيقات بسرقة المبلغ لكنه بدّل أقواله أكثر من مرة".



وثائق رسمية
وبالعودة إلى الثامن عشر من شباط العام 2008، حُولت وثيقة رسمية من وزارة الخارجية والمغتربين إلى السفير اللبناني بقطر، وطُلب منه "الاحتفاظ بالواردات القنصلية وعدم تحويلها إلى الخزينة اللبنانية حتى إشعار آخر"، بحجة "الأوضاع الراهنة والتأخير الذي قد يحصل في تحويل مبالغ للبعثات اللبنانية في الخارج"، وفي السابع والعشرين من نيسان العام 2013 أيضًا، طُلب مرة أخرى "عدم تحويل المبالغ إلى مديرية الخزينة اللبنانية".

وبحسب مصادر مطلعة في حديث خاص لـ"المدن"، فإن "وزارة الخارجية والمغتربين طلبت الاحتفاظ بالإيرادات القنصلية داخل السفارة اللبنانية بقطر بهدف تسهيل استخدام الأموال وتسيير أمور السفارات واستخدام المبالغ المحتفظة عند الضرورة، والابتعاد عن المعاملات المعقدة".

إلا أنه يتبين أن من حظي بصلاحيات واسعة وتولى المناصب الرفيعة داخل الدولة اللبنانية امتهن "أخلاقيات اللصوص"، وعوضًا عن الاحتفاظ بأموال هذه الدولة، جرى تزوير الوثائق وسُرق المبلغ بكامله وكأن شيئًا لم يكن! وبدأت سلسلة تقاذف التهم والمسؤوليات للتهرب من المُلاحقة القضائية!

 وبحسب معلومات "المدن" فإن عميد الجالية اللبنانية بقطر المتقاعد اعتذر عن حضور جلسة الاستماع إليه "بصفة شاهد"، التي حددت في شهر نيسان الجاري، وقدم معذرة طبية.

في جميع الأحوال، هذا الملف سيبقى بعهدة القضاء اللبناني الذي سيكشف خلال الأيام المقبلة جميع أسماء المتورطين في قضية اختلاس المال العام، أما التساؤل الأهم هل سينتهي إرث الإفلات من العقاب؟ وهل قضايا الفساد ستدفع الدولة اللبنانية إلى تفعيل المراقبة داخل مؤسساتها الرسمية للحد من هذا التسيّب؟


المصدر : المدن